كشفت مظاهرات "جيل زد 212" في المغرب عن أنظمة سياسية متخلفة تحكم هذا البلد، كما هو الحال في كل الدول العربية، حيث القمع والتسلط والاستبداد والخيانة والعمالة للخارج، في مقابل تجاهل واضح للشعوب ومصالحها واحتياجاتها، بل ونهب لثرواتها ومقدراتها .
نفس السيناريو تكرر من تونس إلى مصر ثم ليبيا والجزائر ثم اليمن وسوريا والسودان، بينما تتحكم في هذه السيناريوهات عمائم وجلابيب الخليج بمليارات الدولارات ودعم سخي للصهاينة والأمريكان .
في محاولة للتخلص من هذه الأنظمة تتواصل احتجاجات غير مسبوقة في كثير مدن المغرب، والتي اندلعت قبل أيام لتخلف إصابات عديدة في صفوف قوات الأمن وصفوف المحتجين، وخسائر مادية وتخريب عربات وسيارات لقوات الشرطة، ونهب محال في بعض المناطق، علاوة على اعتقال ومحاكمة العشرات من شباب "جيل زد".
الاحتجاجات الشبابية لحركة "جيل زد " في المغرب كشفت عن قصور واضح في أداء وتأهيل الأحزاب السياسية لشريحة الشباب، وأيضاً عن ارتباك في تعاطي الحكومة مع هذه الأحداث، بينما حاولت المعارضة ركوب الموجة بتبني خطاب "شباب زد".
التعليم والصحة
كان آلاف الشباب، الذي يلتقي في منصة "ديسكورد" بالعالم الافتراضي قد خرج إلى شوارع مدن كبرى مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وأغادير، ومدن صغيرة مثل إنزكان وتمارة وغيرها، للمطالبة بتوجيه الإنفاق الحكومي نحو قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، بدلا من تخصيص موازنات ضخمة في الإعداد لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى مثل كأس العالم لعام 2030.
اعتقالات
ورغم أن تظاهرات شباب "جيل زد"، لم تشهد منعاً أمنياً في البداية، ربما لأنها كانت مفاجأة للنظام، إلا أنها تضمنت حالات شغب خصوصاً بمدينة سلا، حيث تم إحراق بنايات ومنشآت.
في هذا الصدد كشف زكرياء العروسي رئيس وحدة تتبع تنفيذ التدابير الزجرية والمقررات القضائية برئاسة النيابة العامة ، أنه على إثر المظاهرات التي شهدتها مدن المغرب تم القاء القبض على 193 شابا من المشاركين فيها.
وأشار العروسي في تصريحات صحفية إلى أنه تم عرض 19 شاباً على النيابات العامة المختصة والتي قضت باعتقالهم، زاعمة أنهم ارتكبوا أفعالا خطيرة وجرائم الحق العام، بحسب تعبيره .
واضاف انه تم إطلاق سراح 158 شاباً، فيما تقرر حفظ القضية بالنسبة لـ 24 شابًا، كماً تم إخلاء سبيل مجموعة من الأشخاص بعد الاستماع إليهم في محاضر قانونية.
وزعم العروسي أن هذه الأحداث شهدت عدة مظاهر للعنف والتخريب تمثلت في رشق قوات الشرطة بالحجارة، إضافة إلى تخريب ممتلكات المواطنين، وإلحاق خسائر مادية بالسيارات وواجهات المحال التجارية وارتكاب سرقات وإضرام النار في سيارات مملوكة للدولة، واتلاف أشياء مخصصة للمنفعة العامة وعرقلة المرور بالطريق العمومي.
مشروعة وديمقراطية
في المقابل كشف مراقبون عن نوع من الارتباك الحكومي في التعاطي مع الأحداث الجارية، من خلال إصدار بلاغات لأحزاب الأغلبية، لا تتواكب مع مطالب شباب حركة "جيل زد" المطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية.
في هذا السياق أعرب حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الأغلبية الحكومية، عن تفهمه لاحتجاجات "جيل زد" .
وأكد الحزب في بيان له عقب اجتماع المكتب السياسي أن الطموح الجماعي للتعبيرات الشبابية يتقاطع مع الأولويات التي توجه الحكومة لها جهودها وتعمل عليها مختلف القطاعات والمؤسسات العمومية .
فيما اعتبرت فاطمة الزهراء المنصوري وزيرة الإسكان والقيادية البارزة في حزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الحكومة أن احتجاجات الشباب "مشروعة وديمقراطية" .
وقالت فاطمة الزهراء في تصريحات صحفية : "بعض الشباب خرج للاحتجاج في الشوارع، وهذا مشروع، لكن لا نريد أن يكون التظاهر خارج القانون، مشددة على ضرورة أن يكون الاحتجاج داخل إطار منظم حتى يسهل الحوار مع الشباب الغاضب" .
في المقابل أعلنت بعض أحزاب المعارضة عن مساندتها لمطالب الشباب المحتجين، مشيرة غلى رفضها لأعمال الشغب والتخريب، كما انتقدت الحكومة لعدم التعاطي الإيجابي مع تلك المطالب الاجتماعية المشروعة.
واتهم حزب التقدم والاشتراكية (المعارض) الحكومة بأنها لم تتجاوب مع هذه النداءات، وأصرت على إنكار الفرق الكبير بين التزاماتها وفشلها في الواقع، كما تعاملت مع الأوضاع الصعبة بإنكار واستخفاف وتعال استفز الرأي العام .
مطالب اجتماعية
من جانبها أكدت الباحثة في الشأن السياسي شريفة لومير أن مطالب الحراك الشبابي يتبناها الشعب المغربي أجمع، مشيرة إلى أنها مطالب اجتماعية حركتها الأزمات التي يعرفها الواقع المغربي، لا سيما على مستوى التعليم والصحة.
وقالت شريفة لومير في تصريحات صحفية: إن "موقف الغالبية الحكومية التي التزمت الصمت في بداية الحراك، إضافة إلى المقاربة الأمنية التي لم تكن ضرورية في ظل احتجاج سلمي، أسهما في تأجيج هذه المظاهرات الشبابية في عدد من مدن البلاد ".
وشددت على ضرورة التعاطي الإيجابي بالمبادرة إلى فتح حوار مع مطالب الحراك الاجتماعية، معربة عن أسفها لأن مواقف المعارضة انحصرت في الخروج ببيانات تنديد بقوات الأمن التي تدخلت لمنع الحراك الشبابي بعد فشلها في التعامل مع مطالب الحراك.
وأوضحت شريفة لومير أن الاحتجاجات الشبابية كشفت عن فشل الأحزاب السياسية المغربية التي عجزت عن القيام بأدوارها داخل المجتمع، التي يكفلها لها الدستور من تكوين وتأهيل للشباب، وهو ما يعزز فقدان ثقة الشباب المغربي في الفاعلين السياسيين.
قوات الأمن
وقال الحقوقي أحمد عصيد : إنه "لا شيء يدعو إلى عنف قوات الأمن، مؤكدا أن هذا العنف لا يجعل الناس يتوقفون عن المطالبة بحقوقهم، كما لا يغير من الواقع شيئاً" .
وأضاف عصيد في تصريحات صحفية أنه لا شيء يدعو إلى عنف الشباب أيضا، لأنه لا يمكن المطالبة بإصلاح قطاعات في الدولة مع تخريب ما تم إنشاؤه سابقاً .
وشدد على أن انجرار أحداث الشارع المغربي نحو العنف هو أمر غير محمود، وليس في صالح أحد، ولا يؤدي إلى الأهداف المطلوبة، لا من طرف الشباب ولا السلطات المغربية .