بينما يروّج المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي لحرصه على نزاهة الانتخابات البرلمانية، تتصاعد أصوات معارضة تعتبر هذه التصريحات مجرّد غطاء لعملية سياسية مُدارة بالكامل من داخل الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها – وفق ما يردده معارضون – الدور المنسوب لابنه محمود السيسي في “هندسة المقاعد” وترتيب التحالفات الانتخابية داخل الأحزاب الجديدة التي ظهرت فجأة في المشهد السياسي، مقابل دعم مالي ضخم من المرشحين الباحثين عن موطئ قدم في البرلمان.
وفي قلب هذا المناخ المشحون جاءت حملة اعتقالات جديدة طاولت محامين ومرشحين وناشطين سياسيين حاولوا توثيق ما وصفوه بأنه "انتهاكات انتخابية واسعة" خلال جولات الاقتراع.
دمياط: تسعة محامين أمام النيابة بسبب الاحتجاج على شراء الأصوات
أخلت نيابة دمياط سبيل تسعة محامين بكفالة 5 آلاف جنيه لكل منهم، بعد توقيفهم إثر احتجاجهم على مخالفات انتخابية تتعلق – بحسب روايتهم – بتوزيع الرشاوى وكوبونات الشراء في دوائر المحافظة. المحامون كانوا من أنصار المرشح عصام بشتو، الذي أكّد تعرضه وأنصاره للمنع من تحرير محضر لإثبات الواقعة في قسم فارسكور، قبل أن يتم القبض عليهم والاعتداء عليهم، وفق شهاداتهم.
النيابة كانت قررت سابقاً إخلاء سبيل المرشح نفسه بكفالة 20 ألف جنيه، وسط تساؤلات محلية حول استهداف الأصوات التي حاولت توثيق الانتهاكات.
شبرا: اعتقال أسرة مرشحة وثّقت “المال السياسي”
لم تمر ساعات حتى تكررت الحكاية في شبرا وروض الفرج وبولاق أبو العلا. المرشحة مونيكا مجدي أعلنت عبر بثّ مباشر أن قوات الأمن ألقت القبض على والدتها وشقيقتها بعد تصويرهما نقاط توزيع أموال انتخابية. وقالت إنها تعرّضت وأسرتها لاعتداءات مباشرة وتهديدات بسبب نشرها مقاطع توثق شراء الأصوات داخل دوائرها.
وأكدت المرشحة أن “تنكيل الأجهزة” بها وبأسرتها استمر في اليوم الثاني للاقتراع، تزامناً مع نشرها فيديوهات توضح مواقع توزيع الأموال، وسرقة هواتف أعضاء حملتها من داخل اللجان.
السويس: اعتقال المنسق العام للحركة المدنية طلعت خليل
وفي السويس، أُخلي سبيل السياسي طلعت خليل وشقيقته بعد احتجازهما بكفالة عشرة آلاف جنيه لكل منهما، إثر بث مباشر ظهر فيه خليل من داخل أحد مراكز الشباب يؤكد احتجازه "من دون سند قانوني" بعد إصراره على كشف ما وصفه بـ"المال السياسي والنقل الجماعي" لصالح مرشحين بعينهم، رغم دعوات السيسي العلنية للتصدي لهذه الممارسات.
إلغاء نتائج 19 دائرة: تدخل رئاسي مباشر؟
شهدت المرحلة الأولى من الانتخابات موجة واسعة من الخلافات حول النتائج، بعد طعون واحتجاجات على التجاوزات في التصويت والفرز والدعاية. وبعدما أصرت الهيئة الوطنية للانتخابات على نفي وجود مخالفات طوال أسبوع، تراجعت بشكل مفاجئ بعد ساعات من نشر السيسي رسالة علنية طالب فيها الهيئة بمراجعة المخالفات وإلغاء النتائج إن لزم الأمر.
هذا التحول المفاجئ – الذي انتهى بإلغاء نتائج 19 دائرة – وصفته منظمات حقوقية بأنه “دليل على خضوع الهيئة لإرادة السلطة التنفيذية”، ما ينفي عنها صفة الاستقلالية المفترضة دستورياً.
هندسة انتخابية مسبقة… واستبعاد ممنهج للمعارضة
بيانات منظمات المجتمع المدني ركّزت على ما وصفته بـ"الهندسة الأمنية" الكاملة للانتخابات، بدءاً من تشكيل القوائم وحتى إغلاق الصناديق. ورُصدت حالات استبعاد لمرشحين بحجج اعتبرتها المنظمات “واهية”، منها ملفات الخدمة العسكرية، وهو ما طال نواب معارضين سابقين رغم أحكام قضائية برد الاعتبار.
كما أشارت تقارير حقوقية إلى استمرار حرمان آلاف السجناء السياسيين السابقين والمحبوسين احتياطياً من حقوقهم السياسية، بشطبهم من جداول الناخبين.
بيئة انتخابية مغلقة… وعودة "توريث المقاعد"
أظهر تقرير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان أن المرحلة الأولى جرت في "بيئة مغلقة بلا تنافس حقيقي"، بعد استبعاد القوائم المنافسة للقائمة الوطنية، ما أدى إلى احتكار شبه كامل لمقاعد القوائم. ورُصدت كذلك ظاهرة "توريث المقاعد" داخل القوائم المطلقة، وترشح شخصيات لا تنتمي لمحافظاتها، بما تسبب في حساسيات محلية وتآكل الارتباط التقليدي بين الناخب والمرشح.
مشهد أقرب إلى الكوميديا السوداء
مشاهد الاعتقالات، ومنع المرشحين من تحرير محاضر، ومصادرة هواتف حملات انتخابية، وظهور بثوث مباشرة لمحتجزين داخل مراكز شباب، خلقت صورة أقرب إلى الكوميديا السوداء منها إلى عملية سياسية جادة. واعتبرت منظمات حقوقية أن الانتخابات تحوّلت إلى "مسار زائف" هدفه الأساسي إضفاء شرعية شكلية على مؤسسات تُدار واقعياً من قبل الأجهزة الأمنية.
