تجددت أزمة سد النهضة وحقوق مصر التاريخية فى مياه النيل التى أضاعتها حكومة الانقلاب لتتصدر المشهد من جديد، وسط تصاعد التصريحات الإثيوبية بشأن مستقبل إدارة الموارد المائية ومصير مفاوضات السد المتعثرة.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه إثيوبيا حقها في التنمية ومواصلة بناء مشاريعها المائية على النهر، طالب خبراء حكومة الانقلاب بالتمسك بحقوق مصر التاريخية والتأكيد أنها ليست محلًا للمساومة .
وحذر الخبراء من أن المساس بحصة مصر من مياه النيل يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي والغذائي والسكاني.
كانت الخارجية الإثيوبية قد أصدرت بيانًا اتهمت فيه نظام الانقلاب برفض الحوار والاستناد لمعاهدات استعمارية لتوزيع مياه النيل .
وقالت الخارجية الإثيوبية إن بعض مسؤولي الانقلاب ما زالوا يتعاملون بـ"ذهنية احتكار المياه".
حقوق ثابتة
فى هذا السياق أكد أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية الدكتور علاء عبد الله الصادق، أن حق مصر التاريخي في مياه النيل غير قابل للمساس تحت أي ظرف، مشيرًا إلى أن مسار التفاوض مع إثيوبيا بشأن سد النهضة وصل إلى مرحلة «الجمود» بسبب الإجراءات الأحادية والتعنت الإثيوبي.
وقال الصادق فى تصريحات صحفية إن مصر تستند إلى حقوق ثابتة ومتوارثة عبر آلاف السنين، وتعتبر أي تقليص لحصتها من المياه تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي والغذائي والسكاني.
وأوضح أن تحركات نظام الانقلاب على المستويين الإقليمي والدولي، والمطالبة بضرورة الالتزام الصارم بالقانون الدولي الخاص بالأنهار العابرة للحدود، ورفض أي خطوات منفردة من الجانب الإثيوبي في إدارة وتشغيل السد لم تتوصل إلى أى نتيجة .
وأشار الصادق إلى أن عرض الانقلاب خيار اللجوء إلى التحكيم الدولي باعتباره مسارًا قانونيًا يعالج الخلافات ويضمن حقوق جميع الأطراف دون الإضرار بدولتي المصب لم تقبله اثيوبيا .
وشدد على ضرورة تكثيف التعاون بين مصر والسودان من خلال آليات مشتركة وتنسيق مستمر لمتابعة أي تطورات في ملف السد من أجل التنسيق بهدف حماية الأمن المائي للبلدين، وضمان أن تلتزم إثيوبيا بالتفاهمات الدولية المنظمة لمياه النيل.
اتفاق ملزم
وشدد الصادق على أن حكومة الانقلاب لا تزال تطالب باتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، بحيث يتضمن آليات واضحة لمنع أي أضرار محتملة على مصر والسودان، مع ضمان تبادل بيانات فنيّة دقيقة حول منسوب المياه وكمياتها داخل وخارج السد، إضافة إلى التنسيق الكامل خلال فترات الفيضان والجفاف.
وأشار إلى ضرورة تدعيم فكرة إشراك جهات دولية محايدة أو آلية وساطة ذات ولاية فنية وقانونية، تكون قادرة على متابعة تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه وضمان الالتزام بحقوق الدول الثلاث، بما يضمن استقرار إقليمي مستدام ويمنع تحول الخلاف إلى صراع مفتوح.
وأوضح الصادق أن مصر تعتمد بشكل شبه كامل على مياه النيل حيث تمثل حصته نحو 96% من موارد مصر المائية المتجددة، في ظل غياب الأمطار مقارنة بدول المنبع، وهو ما يجعل أي تقليص في الحصة تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والمائي والسكاني.
ولفت إلى أن مصر لم تكن دولة منبع يومًا وتعتمد كليًا على تدفقات المياه القادمة عبر النهر، ورغم ذلك، حافظت على استدامة تدفقاته واستثمرت في مشروعات ري كبرى أسهمت في استقرار المنطقة.
وأكد الصادق أن حق مصر التاريخي في مياه النيل غير قابل للنقاش، وهو حق تحميه الجغرافيا والتاريخ والقانون الدولي، مشيرًا إلى أن حكومة الانقلاب تعاملت مع أزمة سد النهضة عبر الحوار والدبلوماسية، سعيًا لاتفاق عادل يحقق التنمية لإثيوبيا دون الإضرار بحياة الملايين في مصر لكن هذه الجهود لم تنجح.
القانون الدولي
وأضاف أن قواعد القانون الدولي للمجاري المائية تقوم على مبدأين رئيسيين: الحقوق التاريخية المكتسبة لدول المصب، وعدم إحداث ضرر جسيم للدول المتشاطئة، وكلاهما ينطبق بالكامل على الحالة المصرية.
وأشار الصادق إلى أن مصر لا تستند لاتفاق واحد، بل إلى منظومة اتفاقيات تمتد منذ القرن التاسع عشر بمشاركة دول المنبع نفسها، وتتضمن نصوصًا واضحة بشأن الإخطار المسبق قبل تنفيذ أي مشروعات مؤثرة على تدفق المياه. مؤكدا أن الانقلاب لم يتخذ أى موقف ازاء الاختراقات والمخالفات الاثيوبية لتلك الاتفاقيات .
وحذر من أن طبيعة مصر الهيدرولوجية تجعلها أكثر هشاشة مقارنة بدول المنبع التي تمتلك مصادر متعددة، فيما تعتمد مصر على مصدر وحيد، لذلك، فإن المساس بحصتها هو مساس بحق الحياة.
السيادة على النيل
وأكد الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، أن اثيوبيا تسعى لفرض ما تسميه "السيادة على النيل"، في تجاوز للجغرافيا التاريخية ومبادئ العدالة والتشارك، مؤكدًا أن تلك الطروحات لا تستقيم مع قواعد القانون الدولي.
وقال علام فى تصريحات صحفية : إثيوبيا سبق أن شيدت سد "تكيزي" على نهر عطبرة دون إخطار مسبق، ورغم ذلك بقيت مصر ملتزمة بمبدأ التعاون، لكنها ما تزال تنتظر اتفاقًا قانونيًا ملزمًا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة وفق إعلان المبادئ الذى وقعه السيسي ولم تلتزم به اثيوبيا.
وأشار إلى أن مصر أوضحت مرارًا أنها لا تعارض التنمية في أفريقيا، بشرط ألا تأتي على حساب حقوقها المشروعة في مياه النيل مشددا على ضرورة اتخاذ مواقف أكثر قوة للحفاظ على حقوقنا التاريخية .