على مدار خمس سنوات لم يهدأ إعلام السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، من الهجوم على قناة الجزيرة القطرية ومذيعيها، وزاد الهجوم بعدما انضم جنرالات الانقلاب لعصابة الحصار الخليجية التي تضم السعودية والإمارات والبحرين، ومؤخراً شن الإعلامي عمرو أديب المؤيد للانقلاب العسكري، هجومًا عنيفًا على القناة القطرية؛ بسبب تغطيتها لقانون حظر زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكًا للمياه، بعدما تسبب السفيه السيسي في حرمان المصريين من مياه نهر النيل.
وما لم يتوقعه إعلام الانقلاب أن تأتي الصفعة من مؤسسة عالمية، ففي تقدير كبير لدورها المؤثر على المستوى العالمي ، وفي شهادة من أكبر وأقوى مؤسسة دولية في حقها ، خلافا لما تروجه دول الحصار، اختار مجلس الأمن الدولي قناة “الجزيرة” لمرافقته في جولته الخاصة لتفقد أوضاع الروهينجا.
يقول الناشط صاحب حساب متابع حر : “هذا الأمر كان متوقعاً وبقوة لأنّه حلم و أمنية كل طاغية و فاسد ، و ما إغلاق مكاتب الجزيرة في هذه الدول وعدم الترخيص لها إلا دليل على وجود ما يخشون إظهاره للرأي العام . يريدون من الجزيرة أن تكون كقنواتهم المطبلة و العبثية و المغرضة والفاشلة . بصراحة أول إجراء نقوم به عند تنزيلنا لقنوات أي قمر هو حذف هذه القنوات المريضة كمرض أصحابها. إذاً هذا الأمر دليل على أن الجزيرة من طينة الكبار و هذا هو المطلوب. لقد حاولوا إسقاط الجزيرة بشتى الوسائل ولكن هيهات. للأسف أنّ بعض الدوائر الغربية متورطة في هذه الأزمة وتستثمرها”.
فيما أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في افتتاحية لهيئة تحريرها بأن إسكات شبكة الجزيرة الإعلامية كان على رأس أولويات دول الحصار على قطر، ومن ضمنها مصر، وذكرت الصحيفة أنه بمهاجمة الجزيرة فإن تلك الدول تحاول إقصاء صوت قد يدفع المواطنين إلى مساءلة حكامهم.
إعلام صادق
وفي قصف جبهة مباشر أصاب إعلام السفيه السيسي بالخرس، قال مراسل الجزيرة في الأمم المتحدة رائد فقيه في تدوينة له عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر” رصدتها “الحرية والعدالة” : ” أتشرف أن مجلس الأمن خصّ قناة الجزيرة لترافقه في جولته المقررة لمتابعة أوضاع الروهينغا من خلال زيارة تبدأ بالكويت وتمر على بنغلاديش وتنتهي بإقليم أراكان في ميانمار. وتشكل الجولة ثمرة من مسعى عملت عليه الكويت مطولا في المجلس لتسليط الضوء على معاناة أقلية الروهينجا.”
فيما يقول الناشط حسام بسيوني : ” يريدون إغلاق الجزيرة لأنها تفضحهم، و هم في هذا شأنهم كشأن فرعون الذي قال ذروني “أقتل موسى و ليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد” كما ورد في القرآن الكريم، إنهم يخافون أن يرتفع منسوب الوعي لدى شعوب هذه الأمة و يخافون أن تكشف الجزيرة فساد هذه الأنظمة المتخلفة و التي تكره النور و العلم و تحب أن يطول ليل هذه الأمة و لا ينجلي صبح الحرية و الديمقراطية في ربوعنا. لكن الغريب في الأمر أنهم يدعون الليبرالية و مقصودهم ما يلهي الشعوب في قنواتهم البائسة من هز للبطون و عفن لا فن فيه”.
وكان رئيس مجلس الأمن الدولي قد أعلن بداية الشهر الجاري أن حكومة ميانمار وافقت بعد أشهر من الرفض، على أن يقوم وفد من المجلس بزيارة إلى أراضيها، ولكن من دون أن يتّضح ما إذا كانت الزيارة ستشمل ولاية راكين التي كانت قبل أشهر مسرحا لعملية عسكرية ضخمة استهدفت الروهينغا وأدت لتهجير مئات الآلاف من أفراد هذه الأقلية المسلمة.
وفرغت مناطق شمال ولاية راخين بشكل شبه كامل من سكانها الروهينجا منذ أغسطس الماضي عندما تسببت عملية عسكرية نفذها الجيش بتهجير نحو 700 ألف من أفراد هذه الأقلية المضطهدة من ديارهم ولجوئهم عبر الحدود إلى بنغلادش.
يشار إلى أن دول الحصار كانت قد وضعت شرط إغلاق قناة “الجزيرة” على رأس مطالبها الـ13 التي قدمتها لقطر عبر الوسيط الكويتي من أجل عودة العلاقات الدبلوماسية ورفع الحصار البري والبحري والجوي عنها، وهو ما رفضته قطر جملة وتفصيلا.
مفهوم الحرفية
وعلى عكس إعلام التطبيل الذي يقدمه عمرو أديب وزوجته وعزمي مجاهد والإبراشي وأماني الخياط وبقية شلة العسكر في مصر، اتفق الإعلامي والمحلل السياسي التونسي كمال الشارني مع ما قالته صحيفة نيويورك تايمز من أن إسكات شبكة الجزيرة كان على رأس أولويات دول الحصار ومن بينها مصر، مشيرا إلى أن الجزيرة عانت منذ ظهورها من رفض رسمي، وكانت على رأس قائمة أهداف كثير من الحكومات العربية التي أغلقت مكاتبها وأوقفت مراسليها عن العمل، وأضاف أن الجزيرة كانت شكلا من أشكال الثورة على المنظومة القديمة للإعلام العربي الرسمي وما سماه “إعلام البرافدا”.
وتابع أن الجزيرة جاءت لإظهار مفهوم الحرفية والموضوعية في الإعلام العربي وليس بالضرورة الحياد “ومثلت في وقت من الأوقات ناظم الثورة الفكرية والتي هي أصعب من الثورة الاجتماعية والربيع العربي ولذلك نظرت إليها معظم الحكومات العربية بريبة وحاربها البعض علنا كما رأينا في مصر، وفي تونس أيام زين العابدين بن علي”.
وأوضح أن هؤلاء يعودون الآن لاستهداف الجزيرة ليس كوسيلة إعلام فقط وإنما كطريقة تفكير وكفضاء موضوعي للتفكير ومجال حر في العمل الصحفي، لأن العالم العربي ما زال يعيش أزمة حكم وأزمة حريات، وكل من يمسك بزمام الحكم لا يغادره إلا ميتا.
وعزا الشارني استمرار تعلق المشاهدين بالجزيرة إلى الحرفية العالية والموضوعية المهنية التي تستجيب لحاجة المشاهد إلى معرفة الحقيقة وسماع الرأي والرأي الآخر.
واعتبر أن منع الجزيرة من العمل هو عمل ضد التاريخ ومساره، وأن أي مؤسسة إعلامية تلتزم الموضوعية لا يمكن مقاومتها بالمنع والإغلاق والشيطنة، مشيرا إلى أن من يحاول ذلك هم الحكام المستبدون.
وفي عام 2012 قبيل انتخاب الرئيس محمد مرسي، تعرض مقر قناة الجزيرة مباشر مصر الموجود في ميدان التحرير لإحراق جزئي، خلال المصادمات التي يشهدها الميدان والشوارع القريبة منه بين قوات المجلس العسكري ومتظاهرين، في الذكرى الأولى وقتها لأحداث شارع محمد محمود، التي سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى برصاص المخابرات الحربية، وقام مجهولون بإلقاء زجاجات المولوتوف الحارقة داخل المكتب.
