صورة مصر في إعلامِها الرسمى

- ‎فيمقالات

أقسمَ لى صديقٌ يمنىٌّ، أكاديمى وسياسى، فى وقت سابق، أنه قبل أن يزور مصر لأول مرة كان يظن أن المنحرفات يصطففن فى شوارعها، وأنها سوق عظيمة للبغاء. قلت: ولِمَ هذا التصور الخاطئ؟ قال: من إعلامكم يا سيدى! الذى صور لنا بلدكم بتلك الصورة المشينة، وأردف: والله بعدما مكثت هنا لسنوات أنجزت خلالها رسالتى العلمية وبعدما زرتُ جلَّ البلاد العربية لم أجد شعبًا حييًّا وقورًا محافظًا مثل هذا الشعب، وأن ما يصدر عن إعلامه لا يمتُّ للواقع بصلة، ويسىء إليه أكثر مما يفعل العدو.

تذكرتُ هذا الحوار بعدما اطلعتُ مؤخرًا على تقريرين؛ أحدهما لـ«المجلس القومى للمرأة» والآخر لـ«المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام»، وهما جهتان رسميتان تابعتان للنظام، حول ما يسمى «دراما رمضان»، وبعدما تابعتُ الحوار الدائر حول ما تدعى «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، وهى شركة تابعة للمخابرات -لأقول: حسبنا الله ونعم الوكيل فيما يجرى لهذا الشعب على يد من لا يراعون له حرمة ولا يحفظون له كرامة.

لمصلحة من كل هذا التشويه وكل هذه المشاهد الفاجرة؟ وماذا تريدون لهذا البلد؟ مئات المليارات، من جيوب الشعب، تُنفق على تدمير الشباب، وتشويه صورتنا فى الخارج، ونشر الرذيلة والدعوة إلى التمرد على حدود وشرائع الدين، والمستفيد هم تلك العصابة التى تقوم بهذا الدور حتى نُشر منذ أيام أن مخرجًا واحدًا تقاضى (38) مليون جنيه نظير إخراج «مسلسل رمضانى» غير ما حصلت عليه زوجته فى المسلسل نفسه، غير الحديث عن اختلاسات أخرى قام بها من الشركة المشار إليها.

تحدث تقرير «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» عن مئات المخالفات فى «دراما رمضان» هذا العام، المتعلقة بـ(الألفاظ البذيئة وفاحش القول والحوارات المتدنية والسوقية التى تشوه الميراث الأخلاقى والقيمى والسلوكى بدعوى أنّ هذا هو الواقع. وعن إقحام الأعمال الدرامية بالشتائم والسباب والمشاهد الفجّة، والتى تخرج عن سياسة البناء الدرامى، وتسىء للواقع المصرى والمصريين، خاصة وأنّ الدراما المصرية يشهدها العالم العربى والعالم كله. وعن استخدام تعبيرات وألفاظ تحمل للمشاهد والمتلقى إيحاءات مسيئة تهبط بلغة الحوار ولا تخدمه بأى شكل من الأشكال. وعن تضمين المسلسلات أفكارًا ونصوصًا دينية أو علمية أو تاريخية تكرس أخطاء معرفية. وعن تمجيد الجريمة باصطناع أبطال وهميين يجسدون أسوأ ما فى الظواهر الاجتماعية السلبية التى تسهم الأعمال الدرامية فى انتشارها).

كلُّ هذا تضمنه تقرير الجهة الرسمية الذى تحدث أيضًا عن مخالفات بالجملة لا يتسع المقام لعرضها منها: (حشد هذه الأعمال بالعنف غير المبرر والحض على الكراهية والتمييز وتحقير الإنسان، غير مشاهد التدخين وتعاطى المخدرات التى تحمل إغراءات للنشء وصغار السن والمراهقين لتجربة التعاطى، وتجاهل ودهس القانون عن طريق الإيحاء بإمكانية تحقيق العدالة والتصدى للظلم الاجتماعى باستخدام العنف العضلى والتآمر والأسلحة).

والأدهى والأمرُّ هو توكيد الصورة السلبية للمرأة المصرية، وتشويه صورتها عمدًا، وهو ما أشار إليه بالتفصيل تقرير «المجلس القومى للمرأة» الذى أعد استبيانًا حول هذه الدراما أشارت نتائجه إلى أن (70%) ممن طُبق عليهن الاستبيان غير راضيات عن صورتهن التى قُدمت فى هذه المسلسلات ويطالبن منتجى الدراما بنقل الصورة الحقيقية الواقعية للمرأة المصرية.

إننا أمام معضلة كبيرة من معضلات الأمن القومى المصرى تطعن فى كرامة المواطن أمام العالم، على غير الحقيقة، وهى للأسف من صنع الأنظمة العسكرية المتعاقبة كى لا تبدو مصر إسلامية؛ فبدا المجتمع المصرى للآخرين مجتمعًا تسود فيه البلطجة والرذيلة، مترع بالمخدرات والعربدة، فضلًا عن إجادته الفهلوة والنصب، والفساد والرشوة.

ونحن هنا لم نتحدث عن معضلات أخرى من نتاج هذا الإعلام الفاسد، مثل تزوير التاريخ، وهو الدور الأساس الذى تأسست لأجله شركة المخابرات وأُمم لأجل عيونها (600) موقع إخبارى كى تحتكر هى الرأى والتأريخ، كما لم نتحدث عما يقوم به هذا الإعلام من أجل «شرعنة» النظام وتبييض وجهه.. وكلها أمور تجافى الواقع الذى يقول إن شعب مصر ليس هو الذى يظهر فى إعلام هذه الأنظمة؛ شعب مصر هو ذلك الشعب العريق الذى يعتز بإسلامه ويضحى من أجله، وهو من أرق شعوب الأرض قلوبًا وألينها أفئدة، وكانت «المحروسة» ولا زالت هى موطن العلم والفقه، حصن الإسلام بأزهرها ودعاتها. هذا الشعب صبور ومثابر وغيور على دينه وكرامته، مشبوب العاطفة شديد الحماس، محافظ كريم ذو نجدة ومروءة.

وعلى كل المصريين أن يهدموا هذا الباطل، القائم على غير أساس، وأن يميتوا صوته، وأن يقدموا للعالم الصورة الحقيقية لشعبهم وأمتهم التى نُقلت إليه مبتورة مشوهة.

ومن حسن الطالع أن الجميع الآن يمتلكون القدرة على الرد وقد قرَّبت «وسائل التواصل» المسافات، وعرَّت الحقائق، وصار المواطن إعلاميًّا، ومن حق بلده عليه أن ينصفه من أولئك «المرتزقة» الذين لا يرقبون فى بلدهم ومواطنيهم إلًّا ولا ذمة.