ماذا يحدث فى الساحل الشمالى؟!

- ‎فيمقالات

الصور والمشاهد التى تأتينا من المصايف الراقية، وعلى رأسها الساحل الشمالى، لا يصح لعاقل أن تمر عليه دون أن يتحدث عنها ويحذِّر منها. الانحلال والفوضى فاقا كل الحدود، ولم يعد الأمر متعلقًا بانفلات مجموعة من الشباب، وهذا يحدث فى كل زمان ومكان، بل صار سلوكًا جماعيًّا ومنهج حياة قائمًا على الاستهانة بالدين والعرف والقانون.. عنف وطغيان مادى وترف وإباحية وسُكر وعُهر وعربدة تُمارَس جهارًا نهارًا تحت حماية أجهزة النظام الذى قطع قائده على نفسه عهدًا بأن يدعم ويكون مع «كل اللى ميرضيش ربنا».

وننقل -بتصرف بسيط- آراء مَنْ لا تُجرح شهادتهم فيما يُرتكب هناك من معاص وجرائم؛ إذ هم من سكان «الساحل»، محسوبون على طبقته.. أُوْلَى تلك الشهادات للفنانة «غادة نافع» ابنة الفنانة «ماجدة الصباح» والطيار الفنان «إيهاب نافع»، تقول: (إلى سكان الساحل الشمالى العشوائيين.. أرجوكم ماحدش يزعل من كلامى؛ لعله يكون مصدر تنوير وإلهام لمن يهمه أمر أولاده.. يا ناس فُوقوا وربُّوا عيالكم.. ربُّوا عيالكم قبل فوات الأوان، ليه عيال فى سن ١٥ سنة تشرب خمرة! ليه بنات تصاحب وتروح تقضى اليوم فى بيت صاحبها! ليه العيال معاها فلوس بالألوفات لدرجة إنهم فى السن دى يخرجوا يتغدوا فى ساتشى! ليه كل شىء مباح؟ ليه بنات تعمل عيد ميلادها ١٦ سنة كأنه فرحها! ليه نعلّم ولادنا إن كل شىء مباح وإن الفلوس ملهاش قيمة؟ أنا فعلاً مصدومة من حجم المنظرة اللى الجيل ده هيتربى عليها، احنا مكناش كده.. حقيقى كان فيه عُرى بس كان فيه رقى، وحقيقى كان فيه خروج بس مكنش فيه إسفاف، وحقيقى مكنش فيه حجاب منتشر بس كان فيه التزام..).

وتلك شهادة أخرى للصحفية «إيمان نور» نشرتها «أخبار اليوم»، وكانت قد حضرت حفلًا لمطرب شعبى شهير فى إحدى قرى «الساحل»، قالت: (لم تكن المفاجأة من حضور هذا العدد الضخم من الشباب، ولكن من سلوكهم، فالكل بل استثناء يرفع يده حاملًا كؤؤس الخمر وهو فى حالة سُكر غير عادية ويتمايل يمينًا وشمالًا ويرقص بلا وعى على إيقاع الموسيقى الصاخبة التى تصم الآذان، هذا بخلاف من تلمحه عن بُعد يختلس قُبلة ساخنة دون اكتراث بمن حوله وكأننا فى بيت دعارة).

لعل الصورة اتضحت الآن لمن لا يتابعون ما يجرى هناك.. أما دور النظام وحكومته فأؤكد أنه مشارك ومشجع لتلك الجرائم والآثام حتى خرج أحد أذرعه الإعلامية منذ أيام ليبررها مدَّعيًا أن هذه الشريحة الذين قدَّرهم بـ(50 ألفًا) لا يمثلون شباب مصر البالغ عددهم (30 مليونًا) وأن عموم الشباب بخير، كأنه يقول: لا خطر من المجرمين ولو بلغ عددهم (50 ألفًا). وهذا أسلوب رخيص من الإعلامى لتمييع القضية ودعم الإباحية، ودعوة الناس لإيلاف الشذوذ وعدم إبداء الضرر من هؤلاء المجرمين، الذين لو تُركوا دون عقاب فلسوف يفشون وتتضاعف أعدادهم.

إن ما يجرى فى «الساحل» وغيره جزء من الانهيار الأخلاقى الكبير الذى تشهده «المحروسة» من بعد الانقلاب، وهو مقصودٌ بالطبع كى تستمر منظومة الاستبداد، فيتم تغييب الشباب بالسكر والجنس لمنع التدين والانشغال بالسياسة، وفيه إلهاء للشعب بنقل ما يجرى من احتفالات وحوادث ومشاجرات خصوصًا معارك شاكوش والبحراوى وتنمر هيفاء بـ«بيكا»، وهو يبعث برسالة إلى الخارج أن الأمور على ما يرام إذ ليس عندنا إرهاب بل خلاعة ومجون وأموال لا طائل من ورائها وشباب لا يعلم من أمر دينه شيئًا حتى سجد أحدهم لمطرب مشهور عندما حظى بمقابلته وأخرى انهارت من البكاء لأنها حُرمت هى وأمها وأختها من حضور حفلته بعدما تكبدت (12000 جنيه) ثمن التذاكر.

ولست مبالغًا عندما أقول إن هذا جزء من الانهيار الأخلاقى الذى نشهده منذ ثمانى سنوات؛ من فن هابط وغناء إباحى، واختلاط ومجون فى الأفراح، وحفلات تَخَرُّج تحولت إلى مراقص جماعية، ودراما حاشدة بالمشاهد المخلَّة والألفاظ البذيئة والتحريض على الفسق، حتى أجازت «دار الإفتاء» منذ أيام ترقيع غشاء البكارة، فضلًا عن انعدام الحياء وعدم توقير الكبار، وعدم العطف على الضعفاء والصغار، وجمع المال ولو بالتفريط فى الْعِرض، والأثرة وحب الذات.. وكلُّ هذا من آثار حبس الدعاة وتجفيف منابع الدين، ومن آثار الإعلام الفاسد لسان حال المنقلبين..

وعلى الدعاة دورٌ واجبٌ لدرء هذه الفتن ومواجهة هذا الفساد الطاغى، بالتحرك الإيجابى قدر الطاقة، وإبلاغ ما أُمرنا بإبلاغه، وإنذار القوم لئلا يجرى عليهم ما جرى على السابقين ممن أفسدهم الترف فكانوا وبالًا على أقوامهم؛ (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16]، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام: 123]، وعن عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله ﷺ فقال: «يا معشر

المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة فى قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما فى أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم».