«30» يونيو .. كيف برهنت السنوات الماضية أنها ربيع صهيوني بامتياز؟

- ‎فيتقارير

رغم أن المعلومات عن الدور الإسرائيلي في انقلاب 03 يوليو 2013م، تبدو شحيحة؛ لأن الاحتلال وأجهزته كانوا حريصين أشد الحرص على أن يبقى هذا الدور خفيا لا سيما فيما يتعلق بالتخطيط والتواصل الإقليمي والدولي، وكذلك الدور الذي لعبه الجناح الإسرائيلي داخل منظومة الدولة العميقة في الجيش والأجهزة الأمنية المصرية. لكن قيادات الاحتلال لم تملك نفسها بمجرد نجاح الانقلاب وراحت تعترف بهذا الدور دون ذكر التفاصيل، كما كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية مقتطفات مهمة للغاية تبرهن على أن الدور الإسرائيلي في الانقلاب كان مركزيا ومحوريا. وقد أقر نتنياهو بذلك في مقطع متلفز وهو في حالة فرح عارم بنجاح الانقلاب.

وقد برهنت الحفاوة الصهيونية التي قوبل بها الانقلاب على أن 30 يونيو كانت ربيعا صهيونيا بامتياز؛ فقد ذكرت الإذاعة العبرية يوم 06 يوليو 2013 أن رئيس الوزراء نتنياهو اقترح على الأمريكيين تنفيذ خطة «مارشال» اقتصادية جديدة لدعم العسكر فى مصر، ولمنع تحقيق أية سياقات يمكن أن تعيد الإسلاميين إلى الحكم. وهو ما تم ترجمته حتى  اليوم، وشن السيسي وعصابة الانقلاب حملة استئصال للإخوان وليس مجرد إزاحة من السلطة التي حازوها بأصوات الجماهير في أنزه إجراء ديمقراطي في تاريخ مصر.

فى 9/7 ذكرت صحيفة هاآرتس على موقعها الالكترونى نقلا عن موظف كبير فى الإدارة الأمريكية أن الحكومة الإسرائيلية توجهت من خلال عدة قنوات لمسئولين كبار فى الإدارة الأمريكية طالبة عدم المساس بالمعونات الأمريكية للجيش المصرى التى تقدر بـ1.3 مليار دولار، لما قد يحله ذلك من تداعيات على أمن إسرائيل. أضافت الصحيفة أن محادثات ماراثونية إسرائيلية أمريكية، جرت حينها وتناولت ما حدث فى مصر حيث كان هذا الموضوع مدار بحث فى محادثة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية جون كيرى وفى محادثة أخرى بين وزير الأمن موشيه يعالون مع وزير الدفاع الأمريكية تشاك هاغل، ومحادثة ثالثة بين مستشار الأمن القومى يعقوب عميدرور  ونظيرته الأمريكية سوزان رايس. فى اليوم ذاته (9/7) نشرت صحيفة إسرائيل اليوم مقالة للمفكر البارز بوعاز بسموت قال فيها: إن إسقاط الدكتور مرسى يمثل نهاية للربيع العربى، وذلك يمثل تحولا استراتيجيا يفوق فى أهميته هزيمة مصر ونكستها فى عام 1967.

فى 04 يوليو2013،  نشر مركز بيجين ـ السادات للدراسات الاستراتيجية ورقة بحثية على موقعه الالكترونى للبروفيسور هليل فريتش توصل فيها إلى خلاصة صاغها على النحو التالى: ما شهدته مصر بمثابة زلزال كبير. فقد عادت أرض النيل لديكتاتورية عسكرية على غرار ديكتاتورية مبارك، وانتهى الفصل الأخير من الثورة المصرية. وفي 11/7 نشرت صحيفة هاآرتس مقالة للمفكر الإسرائيلى ارييه شافيت قال فيها إن الأمر محسوم فى إسرائيل فـ«كلنا مع السيسى، كلنا مع الانقلاب العسكرى، كلنا مع الجنرالات حليقى اللحى، الذين تلقوا تعليمهم فى الولايات المتحدة، ونحن نؤيد حقهم فى إنهاء حكم زعيم منتخب وملتح».

إضافة إلى ما سبق ــ وفقا للكاتب الكبير فهمي هويدي)، فإن كبار خبراء مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى قدموا مجموعة من التوصيات إلى حكومتهم بشأن ما يجب أن تفعله لدعم الانقلاب . وقد ذكروا فى تقديم تلك التوصيات أن هدف إسرائيل الرئيسى ليس فقط الحفاظ على علاقات سلام مع مصر فى المرحلة المقبلة، بل تعميق تلك العلاقات، لأن المصلحة الإسرائيلية تتطلب تشكيل نظام علمانى ليبرالى ذى فاعلية فى مصر، لا تمنعه قيود أيديولوجية من مواجهة العناصر المتطرفة.

توصيات أولئك الخبراء (معظمهم من الجنرالات المتقاعدين) أوردها المركز المذكور على موقعه فى 11/7، ومن أهمها ما يلى:

1 ـ تعزيز التعاون مع الجيش المصرى ومواصلة السماح له بدفع المزيد من القوات فى سيناء، وذلك لكى يتمكن من العمل ضد البؤر الجهادية ولكى يتصدى لعمليات تهريب السلاح إلى قطاع غزة.

2 ـ يجب على إسرائيل أن تواصل تعزيز علاقتها وتنسيقها من قيادة الجيش المصرى، وفى الوقت ذاته تحرص على بناء مركبات قوتها العسكرية بحيث لا تكون عرضة لمفاجآت فى المستقبل.

3 ـ إسرائيل مطالبة ببذل جهود كبيرة من أجل ضمان تواصل الدعم الدولى لقادة العسكر فى مصر، وعليها تشجيع المستثمرين الأجانب على تدشين مشاريع البنى التحتية فى مصر من أجل توفير فرص العمل على اعتبار أن تدهور الأوضاع الاقتصادية يمكن أن يهدد حكمهم.

4 ـ يجب تشجيع القوى العربية الاقليمية فى الخليج والأردن التى عارضت حكم الإخوان على مواصلة تقديم المساعدات لمصر لضمان نجاح الحكم الجديد. وعلى إسرائيل عدم استبعاد إمكانية التنسيق مع تلك الدول والتشاور معها حول كيفية مساعدة حكم العسكر، علاوة على أن هذا التنسيق يمكن أن يتطور بشكل يسمح بإيجاد قاعدة للتعاون ضد إيران والمحور الذى تقوده.

5ـ على إسرائيل البحث عن قنوات اتصال مع الجهات المسئولة في مصر علها تجد فى إسرائيل الطرف الذى بإمكانه أن يوظف إمكانياته وعلاقاته فى خدمة الأهداف التى تتوخاها.

معنى ذلك أنه بانقلاب السيسي فقد حقق للصهاينة أقصى أمانيهم وأحلامهم؛ فقد كانت مراكز البحث العبرية قد انتهت إلى خلاصات مهمة تؤكد أن دخول الرأي العام المصري كطرف أصيل في معادلة صناعة القرار السياسي ورسم السياسات العليا للدولة لأول مرة منذ سنوات طويلة (الديمقراطية المصرية) يمثل خطورة شديدة على الأمن القومي لإسرائيل؛ وبالتالي بات مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية مرتهنا بمدى تطورات الشارع المصري الذي بات ـ لأول مرة ــ رقما مهمها في المعادلة، بينما كانت هذه العلاقات قبل مرسي ترتهن بموقف الولايات المتحدة فحسب. بانقلاب السيسي تم مصادرة الرأي العام، ولم يعد الشعب يشارك مطلقا في صناعة القرار ورسم السياسات العليا للدولة المصرية، وهو أعظم نجاح تحقق لحساب الأمن القومي الإسرائيلي على الإطلاق حتى إن بعض ساستهم ومفكريهم اعتبروا انقلاب السيسي أعظم لإسرائيل من انتصارها في حرب يونيو 1967م.

خلاصة الأمر أن هذه الحفاوة الإسرائيلية الكبرى تؤكد أن 30 يونيو كانت ربيعا صهيونيا بامتياز،  وقد برهنت السنوات الماضية على صحة ذلك بل يجري منذ سنوات ما بعد الانقلاب تصميم المشهد الإقليمي لكي تكون "إسرائيل" تاجه وصاحبة القيادة فيه تحت مسمى "الناتو العربي" تحت رعاية أمريكية، وسوف يتم تدشين هذا التحالف خلال زيارة الرئيس الأمريكي جوبايدن، للمملكة العربية السعودية منتصف يوليو الجاري "2022" ولقائه بطغاة العرب وحكامهم المستبدين.