مع أن المجتمع المصري يعانى من أزمة البطالة على مدار سنوات طويلة، تؤثر بشكل سلبي علىه، وتُحدث اضطرابًا اجتماعيًا ملحوظًا، يواجه العاملون بالقطاعين الخاص والعام العديد من الصعوبات منها محاربة الحكومة لهم لرغبتها في فصل عدد كبير من العاملين بالدولة لتوفير النفقات في ميزانية الدولة.
أزمات العمال وتطبيق حقوقهم التي نص عليها القانون ليست وليدة العام الجاري فقط، وإنما تمتد منذ الانقلاب العسكري في 2013، وقد شهد العام الماضي 2023 عددًا من الاحتجاجات بالتزامن مع تصاعد الأزمة الاقتصادية وزيادة الأسعار وأزمة الدولار، حيث دخل الالاف من عمال في اعتصامات وإضرابات، لنيل حقوقهم المسلوبة.
الاحتجاجات والتعامل الأمني
واستمرارا لغياب الحقوق وتصاعد وتيرة الغضب حد الإضراب عن العمل في القطاعين العام والخاص، في ظل تعامل أمني عنيف مع مطالب هذه الفئة التي تواجه تضخمًا وتصفية أو تعطيلًا لمصادر رزقها.
وبدلاً من حل مشاكل هؤلاء العمال تلقي السلطات الأمنية، القبض على العمال الذين يحتجون كعمال شركة وبريات سمنود في محافظة الغربية، كان آخر الاحتجاجات العمالية إضراب المئات من عمال شركة وبريات سمنود للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، ومع تجاهلهم من قبل الإدارة، أعلنوا الاعتصام داخل مقر الشركة لحين الاستجابة لمطلبهم الوحيد، الأمر الذي أدى إلى القبض على 9 منهم، 4 عاملات و5 عمال من منازلهم من قبل قوات أمنية.
قوانين معطلة
فيما شهدت المواقع العُمالية المتنوعة تصاعدًا في وتيرة الاحتجاجات بين صفوف العمال والموظفين، شملت القطاعين العام والخاص، وكان المشترك بينهم دائمًا هو المطالبة بزيادة المستحقات المالية خصوصًا بعد عدم الالتزام بتطبيق قرار زيادة الحد الأدنى للأجور الصادر في مايو الماضي، لتصل إلى 6000 جنيه، من قبل أصحاب الأعمال وإدارات المصانع والشركات، ومطالب العمال تتركز على الحقوق المالية، واستبعاد القيادات النقابية، لكن الغالبية العظمى تحتج للمطالبة بزيادة الأجور وفي القلب منها الحد الأدنى للأجور.
ويطالب العمال والموظفين بتطبيق قرار اتخذتها الحكومة بزيادة الحد الأدنى للأجور، بالتزامن مع رفع الأسعار، دفعًا بأن القرار يعتبر ملزمًا للجميع كما جاء به وليس معطلا في أدراج الإدارات.
ومع ذلك، فإن هذا القرار يتم التحايل عليه من قبل المئات من أصحاب الشركات والمصانع الذين طلبوا من وزارة القوى العاملة استثناءهم من تنفيذه، وهو ما لم بتم الرد عليه بالرفض أو الاستجابة حتى الآن وتستغله الشركات جيدًا لصالحها على حساب العمال. قبل أيام دخل عمال شركة سيراميكا فينيسيا في إضراب عن العمل لمدة أسبوع احتجاجًا على رفض الإدارة تطبيق الحد الأدنى للأجور، وتدني الحافز، وعدم صرف الأرباح بحجة مرور الشركة بأزمة مالية.
ولنفس الأسباب لم يكن أمام عمال شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو “الشوربجي” سابقًا، أي حلول سوى الاحتجاج داخل مقر الشركة للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، خصوصًا في ظل الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، وصرف البدلات “المخاطر، العدوى، والانتقال”، وصرف الحافز بسبة 100% على أساسي الأجر، وزيادة الأرباح السنوية من 5 أشهر لتصل إلى 12 شهرًا.
وفي السياق ذاته، تقدم عمال شركة الصلب للمناجم والمحاجر والتي تضم محجر الواحات البحرية ومحجر بني خالد بالمنيا ومحجر الأدبية بالسويس، بطلبات لصرف ثلاث وجبات غذائية متكاملة، أسوة بباقي الشركات، وكما نص عليه قانون المناجم والمحاجر رقم 27 لسنة 1981 في المادة (23).
التخلص من موظفي الدولة بـ”تحليل مخدرات”
أيضًا كان من أسباب تصاعد الأزمات العمالية، القانون 73 لسنة 2021 والذي يجيز فصل الموظفين الحكوميين إذا ثبتت إيجابية تحليل المخدرات لهم، حسب بعض الإحصائيات غير الرسمية، فصلت الدولة حوالي 15 ألف موظف من قطاعات مختلفة على مستوى الجمهورية منذ بداية تطبيق القانون 73 لسنة 2021.
انتهاكات عام 2023
في تقريرها السنوي، قدمت دار الخدمات النقابية والعمالية رصدًا للانتهاكات التي تعرض لها العمال في العام 2023 بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية:
نوع الانتهاك عدد العمال المتضررين
نقل تعسفي 4
تقييد الحرية وتوجيه تهم جنائية 32
فصل تعسفي 109
تهديد بالفصل 900
تهديد من الأمن الوطني 4
الامتناع عن دفع الأجور 2517
استدعاء الشرطة 300
إيقاف عن العمل 28
طرد من مقار العمل 1700
إنذارات بالفصل 131
عنف لفظي وبدني 500
تحقيقات مع العمال 15
جزاءات مالية بسبب الرأي 1
زيادة الأسعار تعصف بالأجور
ويرى متابعين أن القرارات الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات والطاقة وزيادة أسعار السلع والخدمات قاسية على المواطنين بشكل عام ومن بينهم عمال المصانع ذوي الرواتب الزهيدة، وحتى مع زيادات الحد الأدنى للأجور، ومع فرضية أن تُطبق في جميع المنشأت، فإن هذه الزي زيادة الأجور تبتلعها الأسعار ويرى متابعين أن القرارات الأخيرة برفع الدعم عن المحروقات والطاقة وزيادة أسعار السلع والخدمات قاسية على المواطنين بشكلٍ عام ومن بينهم عمال المصانع ذوي الرواتب الزهيدة، وحتى مع زيادات الحد الأدنى للأجور، ومع فرضية أن تُطبق في جميع المنشأت، فإن هذه الزيادات تبتلعها زيادات الأسعار باستمرار، الأزمة ستظل مستمرة في ظل الأزمة الاقتصادية، والأمر بحاجة لما هو أكثر من مجرد زيادة بالحد الأدنى للأجور.
كما ينوه المتابعون إلى أن الموظفون الحكوميون أصبحوا غير قادرين على إعانة أسرهم، في ظل الارتفاع الشديد في الأسعار وما يقابلها من تدني شديد في الأجور، رغم عمل الزوجات إلى جانب الأزواج.
أوضاع معيشية كارثية
ويرى باحثون في الاقتصاد أن قضية الأجور والأسعار هي أكثر القضايا تفجرًا على مدار الأشهر الأخيرة، خصوصًا مع بداية توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، ويرون أن تحريك الأجور وإن أوصل الحد الأدنى إلى 6000 جنيه، يبقى هذا الحد غير مُطبق على كل العمال بأجر، بل على قطاع محدود منهم، مما يعني تخفيض الأجور الحقيقية لباقي العمال الذين لم تشملهم الزيادات، في ظل تجاهل الجهات المسؤولة التي لم تتحرك لمعالجة الخلل، وتهرب مئات المنشآت من تطبيق الحد الأدنى، ويشيروا إلى الارتفاع المتواصل الذي شهدته الأسواق في أسعار الطعام والشراب والأدوية، وأسعار الخضروات الأساسية كالبطاطس والطماطم لتصل لمستويات غير مسبوقة، يعجز معها الحصول على المتطلبات الأساسية بالنسبة للغالبية من محدودي الدخل.
الفصل التعسفي
هناك الآلاف من العمال تم فصلهم على مدار السنوات الماضية، وبالتالي هناك ملايين الأسر من دون دخل، ومن يسعده الحظ ويحصل على عمل موسمي لا يتحصل على دخل يكفيه العيش الحاف هو وأسرته، وبالتالي عند الحديث عن حد أدنى للأجور يجب أن نأخذ في الاعتبار من هم من دون أجر.
ختامًا، يؤكد الخبراء أن العمال يمثلون عصب الدولة وعجلة الإنتاج، ولا يجب أن تتخلى الدولة عنهم بهذا الشكل حتى لا تسهم في زيادة أعداد البطالة.