انسحاب أمريكا من سوريا يشعل المنطقة.. تفويض أم توريط لتركيا؟

- ‎فيعربي ودولي

ثمة تكهنات تشير إلى أن الانسحاب الأمريكي المفاجئ من سوريا هو فخ صنعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للأتراك من أجل دق أسافين الفتنة والخلاف بين أنقرة وموسكو في المسرح السوري، وترى أوساط سياسية خبيرة أن “منبج” تمثل اختبارًا قاسيًا للعلاقات الروسية التركية.. فموسكو تريد تسليم مناطق وجود الأمريكيين إلى النظام السوري لا لتركيا.. في هذه الأثناء تتواصل تعزيزات حلفاء أنقرة وقوات الأسد قرب منبج في ذروتها في تأهب لساعات حاسمة.. بينما أعلنت الخارجية الروسية أنها تنسق بشكل وثيق مع الأتراك فيما يخص شرق الفرات، معربةً عن انزعاجها من “إسرائيل” واتهمتها بتهديد الملاحة المدنية.

مفاجأة ترامب

الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من سوريا مثَّل مفاجأة لجميع الأوساط السياسية في العالم، وأثار تساؤلات كثيرة حول أسباب هذه الخطوة الأمريكية التي جاءت في أعقاب اتصال هاتفي مطول بين الرئيس رجب طيب أردوغان ودونالد ترامب؛ تعهد فيه الأول بالقضاء على تنظيم الدولة في سوريا “داعش” وأن الأخير أجابه على ذلك “المنطقة لك”.

فريق من المحللين يرى أن هذا التوافق (الأمريكي – التركي) تأخر قرابة خمس سنوات، دفعت تركيا الدولة وسوريا الثورة ثمنه الكثير، وما نظن أن ما تم التوافق عليه اليوم سيستدرك ما فات ويجبر ما انكسر؛ بعد أن أصبحت روسيا حاضرًا أول في المنطقة، يملي إرادته من خلل غياب الولايات المتحدة، ومن خلال لا مبالاتها.

وتباينت مواقف الدولتين بشأن الأزمة السورية ما بين 2012 حتى 2015 فبينما كانت تركيا تركز على حل شامل للأزمة السورية يقوم على أساس إقامة نظام ديمقراطي رشيد، كانت واشنطن تركز على محاربة التنظيمات المسلحة مثل داعش وغيرها ولا تعنيها سوريا كثيرا أو قليلا.. وكأن أمريكا تريد من تركيا دورا وظيفيا صغيرا يقوم على مساعدتها في مواجهة هذه الحركات المسلحة دون النظر للأزمة السورية بصورة أكثر عمقا وشمولا لحل الأزمة من جذورها.

لكن أنقرة أدركت أن التحالف الغربي مع أنظمة الاستبداد والفساد في عالمنا العربي أعمق على المدى الاستراتيجي من أي تحالف آخر حتى من دور تركيا كعضو في الناتو، ومن دورها كتجربة حضارية منفتحة تدفع بأنموذجها عن المنطقة شبح التطرف المتولد من العدمية واليأس والاستبداد والفساد.

وقبول الدولة التركية – حسب عبارة ترامب – التفويض الأمريكي بتعقب تنظيم الدولة.. وعلى التوازي حق إبعاد شبح التنظيمات الكردية الإرهابية عن الحدود التركية، وربما على مستويات معينة في العمق السوري.. مختلف هذه المرة على ما كان عليه الأمر سنة 2013 و2014 و2015 لأسباب تتعلق بوجود اللاعب الروسي كندّ للولايات المتحدة وعدو للشعب السوري ونقيض للمشروع التركي في سوريا وفي الوقت نفسه حليف مستجد للدولة التركية وللحكومة التركية.

هل كان ترامب عندما قال للرئيس أردوغان: المنطقة لك، كان يريد فعلا تفويض الدولة التركية بأمر جوارها الجيوسياسي.. أو أنه كان يريد زيادة المشكلة تعقيدًا في وضعها أمام الحليف المستجد الحاضر القوي في المنطقة ويسعى لدق أسافين الفتنة بين الروس والأتراك؟

مسئولون أتراك كبار في موسكو

في هذا السياق، أعلنت أنقرة، أن مسئولين أتراكًا بارزين سيتوجهون السبت المقبل 29 ديسمبر 2018، إلى موسكو؛ حيث سيلتقي الوفد مسئولين روسيين، في إطار التنسيق بين البلدين بخصوص الوضع في سوريا، في أعقاب قرار أمريكا سحب قواتها من سوريا.

وذكرت وكالة “الأناضول” أن المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، عمر جليك، أكد الأربعاء 26 ديسمبر، خلال مؤتمر صحفي عقده بمقر حزب العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة، أن وفدا تركيا رفيعا سيزور روسيا السبت المقبل، يضم وزيري الخارجية مولود تشاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ومتحدث الرئاسة إبراهيم قالن، وأوضح أن الوفد سيجري مباحثات في موسكو، يتم في إطارها وضع خطة للقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

وأضاف جليك أن مشهدًا جديدًا ظهر على الساحة مع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وتابع أن الاتصالات بين تركيا وروسيا وإيران ستتواصل بشكل مكثف، بوصفهم شركاء في مسار أستانة، إضافة إلى تكثيف المباحثات مع مكونات أطراف جنيف، ولفت إلى أن بلاده ستطلع حلفاءها على موقفها إزاء مكافحة الإرهاب عقب الانسحاب الأمريكي من سوريا.

روسيا: ننسق مع الأتراك

في المقابل أعلنت روسيا، الأربعاء 26 ديسمبر أنها تنسق مع تركيا بخصوص الأنشطة المتعلقة بالسياسة الخارجية، وعمليات مكافحة الإرهاب في سوريا.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في العاصمة موسكو.

ونقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن زاخاروفا قولها إن بلادها “تتابع عن كثب آخر التطورات في سوريا، عقب قرار واشنطن الانسحاب من البلد الأخير”، ومشددة على أهمية قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، أضافت: “نحن نتابع عن كثب التطورات عقب القرار الذي سيسهم في حل الأزمة السورية”، مستدركة: “غير أننا لم نفهم بشكل كامل جميع الأسباب الكامنة وراءه (قرار الانسحاب)، والجدول الزمني لانسحاب القوات الأميركية”.

وبخصوص العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد تنظيم «ي ب ك/ بي كا كا» الإرهابي، شرق الفرات، قالت زاخاروفا: “نحن ننسق عن كثب مع تركيا بخصوص أنشطة السياسة الخارجية، وعمليات مكافحة الإرهاب في سوريا”.